اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
استحباب احتساب المرض
بسم الله الرحمن الرحيم .... الحمد لله رب العالمين الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين واذا مرضت فهو يشفين.
المرض تذكرة:
اذا كانت الحضارات والمفاهيم غير الاسلامية تعتبر المرض شرا ومصيبة على صاحبه، الا ان الاسلام الحنيف يعتبر المرضَ من قضاء الله وقدره الذي هو تكفير للذنب، وتذكير بالآخرة، وإنابة ورجوع الى الله تبارك وتعالى في حال الحاجة.
ولنتذكر قول علي (ع) في نهج البلاغة مذكرا بضعف الانسان :
" مسكين ابن آدم : مكتوم الأجل، مكنون العلل، محفوظ العمل، تؤلمه البقّة، وتقتله الشرقة، وتنتنه العرقة".
المرض عبادة:
فالاسلام لا يعتبر المرض شرا محضا، وانما يعتبره نوعَ عبادة لله تعالى، ومغفرة للذنوب المتراكمة التي تتناثر بسرعة، عند اشتداد الأوجاع.
ونظر الاسلام نظرة فريدة الى الأمراض، لم يصل اليها فيلسوف أو طبيب أو دين غيره أو حضارة تدّعي التمدن والرقي، فقد اعتبر الاسلام المرض عبادة، كما في رواية الباقرين (ع)، التي ورد فيها: " سهر ليلة في مرض أو وجع، أفضل وأعظم أجرا من عبادة سنة".
وهذا الكلام موجه، بشكل خاص، الى أحبائنا وأعزائنا من أصحاب الأمراض المزمنة، الذين نسألهم الدعاء لظنّـنا أنهم موطن للاجابة.
فالمستحب أن نحتسب عند الله تبارك وتعالى كلّ ألم ووجع نحسّ به.
ومن الأدب، أن نديم الحمد لله والشكر له تعالى، حتى في أحلك الظروف، وعند اشتداد الأمراض علينا، وأن نكرّر ذلك ونقرنه بالشكر، تماما كما عند صحة أبداننا... بل وربما نسهو عند صحة البدن وقوة الجسد، أو لا نخشع لله رب العالمين... فلنكن كمولانا زيـن العابدين (ع) الذي يناجي ربّه، في الدعاء الخامس عشر من أدعية الصحيفة المباركة، حيث يقول، عند نزول المرض أو البلاء:
" اللهم لك الحمد على ما لم أزل اتصرف فيه من سلامة بدني، ولك الحمد على ما أحدثتَ بي من علة في جسدي، فما أدري يا إلهي أيُّ الحالين أحقُّ بالشكر لك، وأيُّ الوقتين أولى بالحمد لك.... أَوَقْتُ الصحة .....أم وقتُ العلّة التي محّصتني بها، تخفيفا لِما ثقل على ظهري من الخطيئات، وتطهيرا لمـا انغمسـتُ فيـه مــن السيئـات، وتنبيهـا لتنــاول التوبة ..."
المرض إحتساب:
فمن أدب المؤمن المحتسب،أن يتذكر هذا النص، ويتذكر أيضا قول رسول الله (ص) :" لا يمرض مؤمن ولا مؤمنة، ولا مسلم ولا مسلمة، الا حطَّ الله به خطيئته".
وذكر العلماء ، أعلى الله مقامهم، أنه يستحب للمريض عدة أمور، منها:الصبر والشكر لله تعالى .
والذي يعين على العمل بهذه الفتوى المباركة، أن نستحضر النصوص التي تتحدث عن ثواب المريض، فاذا تذكّرها شكر الله وصبر...
روي، في فروع الكافي، أن رسول الله (ص) رفع رأسه الى السماء، فتبسّم، فقيل له: يا رسول الله، رأيناك رفعت رأسك الى السماء فتبسّمت ؟ قال: نعم، عجبت لملكين هبطا من السماء الى الارض، يلتمسان عبدا مؤمنا صالحا، في مصلّى كان يصلي فيه، ليكتبا له عملَه في يومه وليلته، فلم يجداه في مصلاه، فعرجا الى السماء فقالا: ربّنا، عبدك المؤمن فلان، التمسناه في مصلاه، لنكتب له عملَه ليومه وليلته، فلم نُصبْه، فوجدناه في حبالك ،فقال الله عز وجل : اكتبا لعبدي مثل ما كان يعمله في صحته من الخير في يومه وليلته، ما دام في حبالي، فانّ عليّ أن أكتب له أجر ما كان يعمله في صحته، اذا حبسته عنه".
وروي عنه (ص) قوله : " عجبت من المؤمن وجزعه من السّقم، ولو يعلم ما له في السقم من الثواب، لأحبّ أن لا يزال سقيما حتى يلقى ربّه عز وجل ".
: عيادة المريض
ومن المستحبات المشهورة عيادة المريض فالمريض يعيش إضافة لألمه ...الشدّة والوحدة والمشقة، حيث ان الألم، وان كان في بعض الأحيان قليلا، لكنّـه ذو آثار نفسية تترك بصماتها على أصحابها .
روي أنّ أمورا، القليل منها كثير: " النار، القليل منها كثير..... والمرض، القليل منه كثير.... والعداوة، القليل منها كثير".
وذكر العلماء، شملهم الله برحمته الواسعة، مستحبات وآدابا مؤكدة لعيادة المريض، وفي بعض الأخبار، أن عيادته عيادة لله تعالى، فانه تبارك وتعالى حاضر عند المريض المؤمن،ولا فرق بين أن تكون في الليل أو النهار، بل يستحب في الصبـاح والمسـاء، ولا يشتـرط فيها الجلوس... وأن يسأله: كيف أنت ؟ كيف أصبحت؟ كيف أمسيت؟
ومن آداب العيادة،أن يجلس عنده، ولكن لا يطيل الجلوس، الا اذا طلب المريض ذلـك . فقد روي عن علي (ع) قوله:"إن من أعظم العوّاد أجرا عند الله، لمن إذا عاد أخاه خفّف الجلوس، إلا أن يكون المريض يحب ذلك، ويريده ويسأله ذلك".
وعن رسول الله (ص)"أعظم العيادة أجرا أخفـّها".
ويستحب أن يضع احدى يديه على يد المريض،أو على جبهته، عند جلوسه عنده، وفي هذا ، روي عن الصادق (ع) أنه قال:" من تمام العيادة، أن يضع العائد احدى يديه على يدي المريض، أو جبهته".
ويستحب الدعاء للمريض بالشفاء، وأن يضع الزائر يده على ذراع المريض ويقول :" اللهم اشفه بشفائك، وداوه بدوائك، وعافه من بلائك".
كما يستحب حمل هدية له، من أي صنف كانت، خاصة الفاكهة، مما يفرحه ويريحه.فالامام الباقر (ع) يسأل بعض مواليه،وقد شاهدهم في الطريق، فقال لهم : أين تريدون ؟ فقالوا، نريد أن نزور فلانا المريض، فسألهم، هل يحملون تفاحا أو سفرجلا أو طيبا أو بخورا، فقالوا: لا، فقال (ع):"أما تعملون أن المريض يستريح الى كل ما دخل به عليه؟".
ويستحب أيضا، أن يقرأ عليه فاتحة الكتاب سبعين مرة، أو أربعين مرة، أو سبع مرات أو مرة واحدة، فعن أبي عبد الله (ع) أنه قال:"لو قرئت الحمد على ميت سبعين مرة، ثم ردّت فيه الروح، ما كا عجبا". وجاء في الحديث:"ما قرىء الحمد على وجع سبعين مرة، الا سكن باذن الله، وان شئتم فجرّبوا ولا تشكوا". وعن الصادق (ع):" من نالته علة، فليقرأ في جيبه الحمد سبعين مرة "(أي في ثوبه)، ثم ينفضه".
فالحمد لله الذي ينزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة ولا يزيد الظالمين الا خسارا.
ومن الآداب أن لا نأكل عند المريض ما يضره وما يشتهيه، ويستحب أن لا يفعل عنده ما يغيظه، أو يضيّق خلقه .
ومن المستحب، أن يلتمس منه الدعاء، فإنه ممن يستجاب دعاؤه، فعن الصادق (ع) قال:" إذا دخل أحدكم على أخيه عائدا له، فليدع له، وليطلب منه الدعاء، فانّ دعاءه مثل دعاء الملائكة " وعنه (ع) قال :" من عاد مريضا في الله، لم يسأل المريض للعائد شيئا الا استجاب الله له".
وروي عن النبي (ص) أنه عندما قام من زيارة سلمان في حال مرضه قال :" يا سلمان، كشف الله ضرّك، وغفر ذنبك، وحفظك في دينك وبدنك الى منتهى اجلك ...يا سلمان، ان لك في علتك ثلاث خصال : أنت قريب من الله بذكره، ودعاؤك مستجاب، ولا تدع العلة عليك ذنبا الا حطته، متعك الله بالعافية الى انقضاء أجلك".
...فتراه يتحسر على الأيام السالفة التي قضاها، من دون الطاعات والقربات، وقد خشعت جوارحه، كما خشع قلبه، فهو متوجه بكلـّه الى حضرة المعبود جلّ جلاله.
السيد سامي خضرا
--
اللَّهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ الحُجَّةِ بْنِ الحَسَنِ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آبائِهِ في هذِهِ السَّاعَةِ وَفي كُلِّ سّاعَةٍ وَلِيّاً وَحافِظاً وَقائِداً وَناصِراً وَدَليلاً وَعَيْناً حَتّى تُسْكِنَهُ أرْضَكَ طَوْعاً وَتُمَتِّعَهُ فيها طَويلاً بِرَحَمَتِكَ يَاأَرحّمِ الَرَاحِمِينْ
نسألكم الدعاء ..وإبراء الذمهِ